وأيضاً هناك من الحكم حصول عبودية التوبة والاستغفار، فالرجل الذي قتل تسعةً وتسعين نفساً، ثُمَّ سأل ذلك العابد الجاهل هل لي من توبة؟ قال: لا. فأكمل به المائة، فهو لا يزال في شدة قوة الاندفاع للشر، وعندما لم يجد من يفتح له باب الخير ظهر ما كَانَ كامناً عنده من دافع الشر، فأكمل به المائة، فلما ذهب إِلَى العابد العالم وأرشده إِلَى التوبة وأن يذهب إِلَى بلدة كذا، لكي يكون هنالك في البيئة الإسلامية الحسنة، بيئة الطاعة لا بيئة المعاصي، لما حصل ذلك حصلت هذه العبودية العظيمة عبودية التوبة، ألا ترون أن قتل مائة نفس مفسدة عظيمة جداً.
فقتل نفس واحدةٍ مفسدة عظيمة، فكيف قتل مائة نفس؟ لكن حصل من ذلك وتضمن مصلحة عظيمة وهي أن هذا الرجل تاب توبة عظيمة، حتى أن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أمر أن تنقبض هذه الأرض، وأن تمتد تلك، لكي تقيس الملائكة فإذا قاست فيكون أقرب إِلَى أرض الخير، سُبْحانَ اللَّه! هذا الذي فعل هذا الفعل وارتكب هذه الجرائم، ومع ذلك يكرمه رب العزة والجلال الغني عنه وعن عبادته وعن توبته بهذه الكرامة، لأن التوبة لها عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شأن عظيم، فلولا تلك الذنوب لما كانت تلك التوبة، والذنوب مكروهة ومبغضة، ولكن التوبة محبوبة مرضية لله، فاجتمع هذا وهذا، وكان هذا الذي هو الخير نتيجة لذلك الذي هو الشر.